لا عنوان لمأساتي

ها أنا اليوم في صباح الإثنين من شهر آذار ، اتسائل مرارًا و تكراراً هل ستستمر مأساتي ؟ أم أن هناك حد ٌلها ؟

أم أنني ساصبح حبيسة نفسي ، سجينة أفكاري ، ولا نهاية لهذه المأساة ابداً ! وكأنني علقت وحدي في دائرة لا باب لها ؛ كي أهرب منه ، ولا نافذة كي أطلب النجدة ، ولا حتى زوايا ، كي أتكئ

العيش أصبح صعب جداً والحواجز التي وضعتها لتُحاوط قلبي أصبحت هشَّة ، ومن السهل التسلل إلى داخله ، والأذيَّة أصبحت أعمق وأشد ألماً

ذاتَ يوم هربت عن العالم أجمع ، عزلت ُنفسي عن البشر ، أقفلت كل بيبان الأمل بيني وبينهم ، قطعت كل طرق التواصل بيننا ، ظناً مني بأنهم سبب معاناتي

مرت لياليٌ وأيام وأنا أجلس وحيدة تحت ضوء القمر ، أشغل نفسي بالقراءة والغناء ، والكثير من أصوات الموسيقى ، ومع كل أغنية و نَص أقرأه ، يراودني الأسى

عندما واجهت آلمي ، عرفت أنه لا مفر لي للهرب منه ، حاصرتني أفكاري ، شعرت بالحزن والأسف على روحي ، فظننت أنه ربما لو تحدثت مع صديق سيخف وقع ٌهذا الثقل على قلبي

ذهبت إلى جهات الاتصال أبحث عن صديق أحادثه ُ، مرت دقيقة وأنا للآن أبحث ، خمسة دقائق وأنا أبحث ، عرفت وقتها أنني بقيت وحدي أمام كل هذا الحمل من الأسى ، لم أعرف بمن سأتصل ، لا يوجد لدي أيٌ أحد ، تيقنت جيداً أن الإنسان مهما بدا مشغولاً ليس هناك منفذ كي يهرب من خوفه .. سيواجهُه لا مَحاله!

و عرفت أنني بعيدة جداً عنهم ، على الرغم من أنني صديقهم الودود ، المتواجد لهم في كل حيّن ، المطمئِّن لهم ، المستمع الجيِّد .. وحدي عالقة هنا بعيدة عنهم وبين قلوبنا آلاف من الأميال ، أنه ُلأمر محزن أن ترى أشخاصا ًكل يوم ولا تستطيع أن تخبرهم بما تشعر ، بعيدة عنهم جدا ًبكل ما تحمله الكلمة من معنى

وعلى الرغم من أنني ملاك الرحمَّة ، ممرضة تُشفي جروحهم وتداوِّي أوجاعهم ولا يوجد وطن لأوجاعي إلا هُنا ، أطمئنهم “لا داعي للقلق ، كل شيء سيصبح بخير” ولا أحد يداوِّي علتيّ ويطمئنُني أنا

أتجرّع الألم وحدي يوما ًبعد يوم ، كغرس فأس ٍفي جذع الشجرة .. أتى مسرعاً، جارحا ًوهي مُطمئنة منذ سنين ، ساكنة لم تتحرك ، تركها خلفه مكسوره ، تنزِف وحدها

وكأنني محتجزة داخل زجاجة مُغلق غطاؤها ، أصرخ بأعلى صوتي ؛ لكن لا أحد يسمع صدى روحي ، وكأن هناك جدرانا ً تُحاصرني أينما هربت

لكن لا بأس ياعزيزتي ميل ، فالشجرة ستشعلُ ناراً لتُدفء من حولها والزجاجة حتما ًستكسر من حِدَّة الصوت ، يوجد بصيص ُمن الأمل في صدري ، يطبطب على كتفي ، يخبرني دائماً أن كل شيء سيصبح على ما يُرام يوما ًما ..

ما قبل الإنهيار في الثاني من آذار

ما قبل الدمعة الأولى .. و ما قبل الإنهيار

عند طلوع الفجر في الخامسة و النصف صباحاً بينما أجتزت كل هذا الليل وحدي . .

بينما مشيت الخطوة الأولى إلى الثبات و ها أنا أقدم على الصمود .. لم أعلم ما حدث .. إنزلقت قدمي ، شارفت على الإنهيار

وجدتني أعلن إستنجادي برسالة إلى رفيق . .

و كأن كل ما حَولي يهتف – إن حُزنك باقٍ فيك حتى لو أجتزت العديد من الليال الثقال

بينما كنت أجري من ليلة إلى أخرى ، هاربه ، حاملة قلبي بيدي ، لعلي أحمي ما تبقى منه ..

ولو أن الشمس ودت أن تعطف علي .. أن ترسل ضيائها لـتُـنير عتمتي ، تشاركني غرفتي ، تُدفئ أطرافي الباردة ، أن تصاحبني في الباقي من يومي ، أن تهدئ من روعي . .

لكن ! لم ألحظ وجودها كنت متعبة ، شاردة الفكر ، مُرهقة من الهرب طيلة الليل ، أحافظ على أنفاسي الخائفة ، متُعبة من حمل ذاك القلب المُثقل بالآلام ..

– رسالتي !! بعد مجاهدة النفس و الرغبة الحائرة ..

هممت بحذفها قبل أن يراها ، قبل أن يستيقظ ، بينما رغبتي ودَت أن يرمم روحي ، أن يتمسك بالجزء الباقي فيني ما قبل الإنهيار أن يخبرني أنهُ يحبني ، يُحبني جيدًا ..

أن يكون رفيقي ، رفيقي الذي أهرب من كل ما حولي إليه و على كتفه أتكئ

ولكن سرعان ما أحذفها ، و أستبَدلها بـ ” صباحك خير ، لعله يوم جيد عليك “

ليالي تشرين الثانيّ

عندما تغرب الشمس و يحل الليل و تتخذ السماء ذلك اللون الأسود و تبدء الأفكار بالتجمع ، تبدء بالدوران حول رأسك و يصاحب ليلك الحزين ذلك الأرق ..

ياترى هل رافقني في تلك المخاوف رفيق ؟

هل هناك شخص تنهمر دموعه على وسادتي أيضاً ؟

هل شاركت أفكاري السوداء مع أي أحد ؟

هل من أحد سرق مني ذلك اللون الأسود ؟

هل من أحد ٍ لون سوداويتي باللون الأبيض ؟

هل هناك شخصُ ما ساعدني على التغلب على مخاوفي ؟

كلا .. لا أحد ، لم يقف معي أحد

كل تلك الحروب اللتي دارت بيني و بين أفكاري خضتها لوحدي .. هزمت مراتُ لوحدي ..

و أنتصرت الآف المرات لوحدي أيضاً

كل تلك القوة أنا اللتي غرستها في جوفي .. غرستها و جذوري مليئه بالمخاوف ..

غرستها بينما أنا أرتجف من تلك الأفكار خوفاً من أن تتآكل في رأسي الحزين ..

غرستها بينما أنا أبكي من ذلك الأرق خوفاً من أن أغرق بين دموعي حيثما لا يكترث لأمري أي أحد ..

كل العزة لنفسي ، لتلك الذات القوية !

آه يا أمي

أود أن نكرر يوماً واحداً من أيامنا السابقه
مثل أن توقِظيني صباحاً بقبله منك أحملها معي إلى ختام يومي ، بدلاً من إستياء أحمله معي طوال اليوم .. أين ماذهبت
أو أن تظفري لي خصلات شعري و كأنك ترتبين لي أفكاري
أن تصففيها جيداً كما كنا ..
كْي أخرج للعالم و أنا مُطمئنه ، مُستقره ، مُستكنّه
فـقبلتُكِ للآن على خدي
و أفكاري خامده كما غادرتيها ..
أن تغسلي وجهي و كأنك تخُرجين من روحي لونها الأسود ، أن تُطهري جروحها و تشفيها أن تضمديها و تتأكدي من سلامتها ..
أن أعود إلى المنزل و تضميني لحجرك الدائم ، أن تغمريني بظلّك عوضاً عن وساده مغموره بالدموع ..
وساده عديمة ، بليدة ، بلهاء
غافله .. لا تسألني كيف كان يومي ، لا تأبه ُلي
أو أن تنزعين مني هذا العبء الثقيل كما كنتي تنزعين قميصي ..
أن لا أنام فتأخُذي من ليلي الأرق و ترمينه بعيداً عني
كما اعتدنا كل يوم مع الدمى و الدببه كيْ أنام
فالوقت يتأخرُ يا أمي وأنا مستيقظه ..
أود أن تمنعيني من الخروج لأن غُرفتي مبعثره ، لن أحزن يا أمي ولن أبتئس .. أعدكِ ، و لن أرتب هذه الغرفه ايضاً ، لا أود الخروج للعالم كما كنت متلهفه لهُ في طفولتي ..
سأبقى مع هذه الغرفه ، كلانا مُتشابهان
ثابتان .. لا نأبه بما يحدث ، بعثرتنا الدنيا فحسب
أود أن أبكي بحضنك و أن تسخري أنتي على أسباب بكائي التي لطالما كانت ساذجه و لا تستحق كل هذا ، ولا أنا أيضاً أستحق كل هذا
أودّ أن توبخيني يا أمي لا زلت طفله ..
اليوم أنسكبت من يدي القهوه على ملابسي على كتبي و أوراقي ، أوراقي المزدحمه بكتاباتي التي لم تُقرأ إلا من قبلي ..
أتسخ المكان بسببي يا أمي و لم يعاتبني أحد ، لا أحد عدا روحي .. كانت تبحث عن سبب ٍيدعيّ للبكاء ، تبحث عن ما يبيد ما إجتاح فيها من الكتمان ، تلومني و ترسل لي هذه الدموع ..
الدموع التي شفقت علي و أنقضّت بنفسها ، أنصبّت بعد ما تراكمت على هذه الروح ..